((غادرت بلادي آخر مرة في خريف عام 1942. كان فراق وطني أمرًا صعبًا ومرًّا. كنت أحس بأنني لن أستطيع العودة إليه مرّة أخرى. في المحطة، كانت أمي، وكان أبي والأقارب قد حضروا لوداعي. وكنت أنظر إليهم من مقصورتي بالقطار، وأفكر في أيامي الحلوة، والمرّة أيضًا. كانت هذه هي المرّة الأخيرة التي أراهم فيها. رفعت أمي يدها اليمنى نحوي، وكان على كتفها شالٌ طويلٌ أطرافه متدلية. تناولت أمي طرفًا من هذا الشال، وأخذت تمسح به دموعها المنهمرة من عينيها. أطلق القطار آخر صفاراته. ثم أخذ دخان أسود يخرج من مقدمة القطار ليحجب الرؤية بيننا. ومن نافذتي بالقطار ألقيت نظرة على أرض الأجداد، التي سلبوها منا. أمعنت النظر إلى الأرض طويلًا. كانت هذه الأرض السليبة - وهي تحت عجلات القطار- تشدو بأنشودة السنين الدامية، استمعت إلى هذه الأنشودة ساعات وساعات. كنت أتضرع إلى الله، داعيًا، قائلًا:
- يا رب! لا تحرمنا من هذي الأرض، نريد أن نبقى فيها، ونعيش فيها، حتى لو نحيا فيها جياعًا عراة، حتى إذا متنا أيضًا، فلنمت في هذه الأرض. إنها وطني يا ربنا. إن هذه الأرض هي أرضنا، وهي بلادي، مهما اغتربت في أي بقعة كانت في هذه الدنيا، يا رب! كن معنا طالما أننا نعيش.
* * *
كنا -وقت حلول المساء- نلعب لعبة القباطنة، نرفع عمودًا فوق ربوة صخرية كانت بجوار القرية، ونفتح شراعًا، فإذا بصوت أمي من بعيد ينادي، فقلت لأخي الصغير:
- هيا يا بكر، فأمنا مقبلة نحونا، والليل أقبل!
لكن بكرًا لم يكن عادةً يستمع إلى كلامي، بأذن صاغية، وكان معروفًا بأنه أكثرنا عنادًا. استمرّ بكر في اللعب دون أن يأبه بشيء. وبعد فترة تتراوح ما بين عشر دقائق وربع ساعة، ظهرت أمي على الربوة المقابلة، كانت تهمهم، وكانت تقول بصوتٍ عال:
- يا لكما من ولدين! لا حول ولا قوة إلا بالله، سأضربكما الليلة ضربًا مبرحًا بديلًا عن طعام العشاء. هيّا إلى البيت!
لم يكن بكر يشتهي وليمة العلقة والضرب بالعصا. وسريعًا كان ينطلق من على الربوة جاريًا، وكنت بدوري أتبعه جاريًا أيضًا. كانت أمنا تصيح من خلفنا قائلة:
- واحد منكما يدخل الأغنام إلى الحظيرة، ويأتي الآخر بالماء إلى أبيكما. وكان بكر يأخذ اتجاهه نحو مجموعة البيوت المقابلة ليأخذ الأغنام، كان يتجه إلى الرعاة. أما أنا فكنت آخذ الإبريق من بيتنا، وأعبر المقابر؛ لكي أذهب إلى عين ماء تسمى ((عين محرم الخباز)) . كنت اقتربت من العين فإذا بي أرى على بعد مائتي عربة نقل مغلقة سوداء واقفة أمام ((التعاونية)). صادفت في الطريق عساكر مسلحين بالسونكي، وقد تسبب منظرهم في إدخال فزع غريب في نفسي. ملأت الإبريق سريعًا من عين الماء. وكان لا بد أن أكون في البيت قبل أن يعود أبي من الحقل. كان من عادتنا أن يكون الماء البارد موضوعًا على مائدة الطعام كل مساء في وجبة العشاء. أدخل أخي بكر الأغنام والماعز إلى الحظيرة، وقامت أمي بكنس البيت وتنظيفه. طبخت أمي الطعام وأعدت المائدة. نحن الآن في انتظار والدنا. يوزع ليل الصيف، من خلال النوافذ المفتوحة، هدوءًا يمزق القلوب، على حجرات البيت. تبدو أمي مهمومة تنظر بيم الفينة والفينة إلى الباب. الملاعق في أيدي الصغار، وكلنا ننتظر الأب. أذكر جيدًا أنني كنت قد جعت جوعًا شديدًا فمددت يدي نحو طبق الخبز. قضمت لقمة ولكنها في فمي، فإذا بأمي تنظر إليَّ في حدّة، ولكنها لم تنطق بكلمة. وفي نفس هذه اللحظة بالذات، إذا بشخص ينطق بصوت مهموس كأنه يخاف أن يعكر صفو سكون الغرفة، ويقول:
- يا خالة! ... يا خالة!
ردت عليه أمي قائلة:
- مَن أنت؟! ماذا حدث؟! وماذا تريد؟!
- لا أستطيع أن أقول لك كل هذا من بعيد يا خالة! تعالي! نهضت أمي وسارت نحو النافذة. وبعد دقيقة أو اثنتين اختفى الرجل الذي كان يتحدث من خلف النافذة؟ أما أمي فقد تجمدت في مكانها وكأنها قطعة من حجر لا تستطيع قولًا ولا حراكًا. اقتربت نحوها بخوف مرير، أحسسته لأول مرة في قلبي الطفل، وقلت لها:
- ماذا حدث يا أمي؟ أين أبي؟ لماذا تأخر؟
- أبوك لن يأتي؟ اقتادوه إلى السجن، إنه لن يأ ...
- لم تكمل أمي كلامها، ذلك لأنها اختنقت بالدموع التي ملأت ما بين أهدابها، ثم انهمرت هذه الدموع فجأة، ومرة واحدة، من فوق خديها، إلى أسفلهما.
تحولت اللقمة الوحيدة التي أخذت في مضغها منذ هنيهة، إلى سمٍّ زعاف في أمعائي.
مستحيل أن تغيب من أمامي صورة أمي بشفتيها المرتعشتين وخدّيها اللذين كانت تجري عليهما الدموع. لم تستطع أمي فعل شيء غير ترديد عبارة: ((لن يأتي!)) وأخذت تجثم على الأرض رويدًا رويدًا. أما نحن فقد احتضن أحدنا رقبتها، وأخذ الآخر بطرف ردائها. وأخذنا ننظر إلى عينيها الدامعتين. كانوا قد قبضوا على رَجل البيت وأودعوه السجن ... ولرجل البيت، أولاد وأطفال بالإضافة إلى أمهم المتمزقة القلب.
* * *
أذكر جيدًا مبنى المدرسة، وكان مبنى لطيفًا مسوّرًا بأسوار من حجر، وله سقف من صفيحٍ أحمر، وهو يأخذ مكانه بين بيوت صغيرة تغطيها أسقف ترابية، وكنا نحن الأطفال نفرح ونلعب ونضحك مثل الطيور التي تزقزق بين أغصان الأشجار وبين الأوراق الخضراء في الربيع. كنا ننسى قسوة الحياة الموجودة في بيوتنا منذ الدقيقة التي ننطلق فيها نحو المدرسة لنعبر عتبتها. كانت معلمتنا صفية: امرأة طويلة القامة ذات وجه أبيض دقيق الملامح، وكانت طيبة القلب، وهذه الطيبة كانت تعكس على وجهها جمالًا روحانيًّا. وكنت أكنّ لمعلمتي صفية حبًّا خالصًا. لكن، حدث ذات صباح، أن كانت معلمتنا صفية مختلفة معي تمامًا. عندما أقبلت علينا في ذلك اليوم ودخلت علينا الفصل قمنا نحن الأطفال بتحيتها كالعادة في كل مرة، قمنا، وقفنا، ثم جلسنا. لكنها لم تنظر لأحد ولم يكن وجهها يبتسم. اقتربت مني، وبعد أن وقَفَت لحظات لم تتكلم فيها نادتني قائلة:
- يا صادق!
قمت واقفًا، أما هي فقد استمرت في حديثها إليّ وهي تنظر إلى حديقة المدرسة من خلال النافذة المفتوحة، قالت:
- يا صادق، أنت ممنوع من دخول المدرسة بعد اليوم، ذلك لأن ... هل فهمت يا صادق؟
قلت لها:
- فهمت.
أحسست لحظتها أن معلمتنا صفية أيضًا مثل مدرستي، قد انتزعت من قلبي انتزاعًا. جمعت كتبي، وخرجت من الفصل، وأصبحت المدرسة في نظري مكانًا يثير الخوف في نفسي.
وعندما كنت بعد ذلك أريد الذهاب إلى بيت عمتي، كنت آخذ طريقي لفًّا من عند جداول الماء ومن بين الحدائق بدلًا من الطريق الذي يمر بالمدرسة. وبعد أسبوعين من طردي من المدرسة، كنت عائدًا من طريق عين ماء محرم الخباز، وإذا بي أسمع صوتًا من خلفي يناديني ويقول:
- صادق! قف! قف يا أخي!
وقفت. كانت معلمتنا صفية هي التي تكلمني. أخذتني رعشة. خطر ببالي أن أرمي الإبريق من يدي وأجري هاربًا. ولكن! كان بعضنا يقرب من بعض لدرجة أني كنت أحس بها وبتنفّسها الدافئ في وجهي.
- دقيقة واحدة يا صادق! دع الإبريق على الأرض.
نفذتُ ما أمرتني به معلمتي. قامت بدس مجموعة من الأوراق النقدية في يدي، ثم قالت:
- أعط هذه لأمك يا صادق، ولكن إيّاك أن تضيعها.
ثم تركتني ومشت. ولم أرَ معلمتنا صفية بعد ذلك. وبعد شهرين حلّ بالقرية بعض القازاقيين. وقد أخذوا عند مغادرتهم القرية، نصف أهلها، وكانت معلمتنا صفية من بينهم
[ltr] ( ( I left my country in the fall of 1942. It was difficult and bitter leaving my country . I felt that I will not be able to return to it again. At the station , my mother, my father and relatives had come to farewell me . , And I was looking at them from my cabin in the train , and I think in my sweet days, and hard also . this was the last time I will see them there. my mom raised her right hand at me , and it was on her shoulder long shawl . my mom took a part of this shawl , and remove her tears pouring from her eyes . the train released last whistle. then black smoke comes out of the front of the train to hide vision between us. , and from my window of he train took a look at the land of the ancestors , which they stole it from us .I look closely to the ground long . this was stolen land - which is under the wheels of the train - sings song of years of bloody , I listened to this song hours and hours . I was praying to Allah , saying :[/ltr]
[ltr]- O Allah ! Do not deprive us from this ground, we want to stay in, and live in it , even if we live hungry , naked , even if we die also , let us die in this land . It is my country O Allah . This land is our land , which is my country , no matter how I emigrated in any spot in this world , O Allah! Be with us as long as we live .[/ltr]
[ltr]***[/ltr]
[ltr]We were - by the evening time - play the captains game , we raise a column above the rocky hill hat was next to the village , and we open the sail , but the voice of my mother is calling from far away , I said to my little brother :[/ltr]
[ltr]- Come on, Bakr , our mother coming toward us , and the night is getting closer![/ltr]
[ltr]But Bakr did not usually listen to my words, and was known that he is more stubborn than us . Baker continued to play without caring about anything . After a period of between ten minutes and a quarter of an hour , my mother appeared on the opposed hill, and she said aloud :[/ltr]
[ltr]- Oh, you boys! There is no power but from Allah , I will beat tonight severely beaten substitute for dinner . Come home![/ltr]
[ltr]Baker did not like the caning feast. And was quickly running from knoll, and I followed him too running . Our mother was shouting from behind , saying :[/ltr]
[ltr]- One of you enters the sheep to the barn , and the other brings the water to your father . The Baker takes his direction towards a group of corresponding houses to take the sheep , he was heading to the shepherds . I used to take the pitcher of our house , and passes the graves ; in order to go to a spring of water called ( (eye of Muharram the Baker ) ) . I approached my eye and I see a hundred closed black truck parked in front of (The cooperative ) . I encountered in the way armed soldiers , and their appearance caused me strange panic. I filled the pitcher quickly from the eye of water. And I should be at home before returning Dad from the field. It was our custom that the water should be cold on the dining table every evening for dinner . my brother Bakr entered the sheep and goats to the barn , and my mom has swept and cleaned the house . Mom cooked food and prepared the table. We are now waiting for Dad . Distributes summer night , through the open windows , quiet tearing hearts , on the House chambers . Mom looks too pre-occupied concerned between time to time to the door. Spoons in the hands of young Childs , and we are all waiting for the father. I remember well that I was severe hungry severe and extended my hand toward baking dish . Bitten off a bit , but in my mouth , and even my mother looked at me Severity, but did not pronounce a word. At the same moment , someone whispered as if he is afraid to disturb the silence of the room, and says :[/ltr]
[ltr]- Hey aunt ! ... O aunt ![/ltr]
[ltr]Mom responded , saying :[/ltr]
[ltr]- Who are you ? ! What happened? ! What do you want ? ![/ltr]
[ltr]- I can not tell you all this from afar , my aunt ! Come on ! My mom got up and walked towards the window . After a minute or two disappeared the man , who was speaking from behind a window? My mother has been frozen in place like a piece of stone can not say words nor move . I approached with bitter fear toward her , I felt for the first time in the heart of the child , and I said to her :[/ltr]
[ltr]- What happened to my mother ? Where is my father? Why did he delay ?[/ltr]
[ltr]- Your father will not come ? They took him to jail , he would not...[/ltr]
[ltr]- My mom did not complete her talk , because it choked with tears that filled between he eyelashes, then poured the tears suddenly , and once, from above of her cheeks , to down .[/ltr]
[ltr]the only morsel became -that I took awhile to chew- to poison running in my intestine .[/ltr]
[ltr]Impossible to be absent in front of me the photo of my mom with her trembling lips and her cheeks , which tears were running on them . My mother was unable to do anything but repeat the words: ( ( he will not come !) ) And she crouches on the ground slowly . But we have one of us hugged her neck , and the other take part of her coats . And we took a look at her eyes. They arrested the man of the house and put him in the prison ... And the man of the house had children and in addition to them their mother's heart ruptured .[/ltr]
[ltr]***[/ltr]
[ltr] I remember well the school building , and the building was nice fenced in by walls of stone , with a roof of tin red , and it takes its place among the small houses covered by the Bishop of dirt , and we were the children rejoice and play and laugh like birds that tweet between tree branches and the green leaves in the spring. We forget the rigors of life in our homes since the minute that we proceed toward the school to express its doorstep . Our teacher was Safia : tall woman with a white face delicate features , and had a good heart , and this goodness was reflecting on her face spiritual beauty. I owned for my teacher Safia pure love . But , there was one morning , that was our teacher Safia completely different with me . When she approached to us that day and we entered the class we children stand up as usual, every time , we have , and we stood , then sat down . But did not look to anyone and her face was not smiling . Approached me , and after that I stood moments she did not talk in it she called:[/ltr]
[ltr]- Hey Sadik ![/ltr]
[ltr]I was standing , but she has continued in her speech looking at the school garden through the open window , she said:[/ltr]
[ltr]- Hey Sadik , you are prohibited from entering the school after today , because ... Do you understand , Sadik ?[/ltr]
[ltr]I told her :[/ltr]
[ltr]- I understand .[/ltr]
[ltr]I felt that moment that our teacher Safia was also like my school , had been removed by force from my heart . I gathered my books , and I came out of the classroom, the school became a place , in my view raises the fear in myself .[/ltr]
[ltr]And then when I want to go to my aunt's house , I was taking my way turning from water tables and from among the parks instead of the road that passes the school. After two weeks of getting fired from the school , I was returning from a spring of water the Muharram baker , and if I heard a voice behind me calling me and says :[/ltr]
[ltr]- Sadik ! stop! stop , my brother ![/ltr]
[ltr]I stood . Our teacher was Safia , which is calling me . I felt trembling. It occurred to me that I throw the pitcher from my hands and I ran away. But ! Each of us was approaching that I felt it her warm breath in my face .[/ltr]
[ltr]- One minute , Sadki ! Let the pitcher on the ground .[/ltr]
[ltr]I carried what she ordered me to do. she put a group of banknotes in my hands , and then said :[/ltr]
[ltr]- Give this to your mother , Sadik , but do not waste it .[/ltr]
[ltr]Then she left me and walked . I've never seen our teacher Safia afterwards. Two months later, came to the village some Kazakhstani. They took when they left the village , half of her family , and our teacher Safia was one of them [/ltr]
هؤلاء.
» murat yildirim biography
» حلقة كوميدية بعنوان Patron kim ?
» صور لقاء مراد مع مجله المرأة اليونانية
» ظهور جديد لمراد يلدريم بورتشين تيرزيوجلو..تفاصيل جميله بالداخل
» لقاء جريده الصباح التركيه مع مراد يلدريم و ايمان الباني
» العشق الاسودج3
» اغاني المطرب مصطفى صندل ....متجدد
» فيلم مراد الجديد